×

دور رياض الأطفال في اكتشاف آثار العنف الممارس على الأطفال من طرف ذويهم.- وناس امزيان – قسم علم النفس و علوم التربية جامعة باتنة

دور رياض الأطفال في اكتشاف آثار العنف الممارس على الأطفال من طرف ذويهم.- وناس امزيان – قسم علم النفس و علوم التربية جامعة باتنة

مقدمة:

     إن سوء معاملة الأطفال ليست ظاهرة جديدة في المجتمع البشري حيث كانوا يوأدون و يتنازل عنهم و يتم إخصائهم و ضربهم و هو مازال سائدا في المجتمعات المعاصرة ومن المعروف لدى الإنسان أن مشكلة العنف لديه تعد كممارسة متعلمة ومكتسبة، وتعد البيئة الأولية للطفل ميدانا لممارسة مختلف أساليب العنف على الأطفال قي سبيل التكفل بتنشئتهم الاجتماعية وتطبيق مختلف النظريات التي تراها مفيدة لهم و منها ممارسة بعض التقاليد والعادات التي تضر بالطفل و لو معنويا أكثر مما تنفعه، و يظهر سلوك العنف الممارس ضد الأطفال في عدة أشكال ( عنف رمزي مثل الاحتقار أو الازدراء، مادي مثل الحرمان من الأكل وحبس الطفل ومنعه من الحركة، لفظي مثل الإهانة و السخرية ، الإيذاء الجسدي مثل الضرب و الحرق ، معنوي مثل الإهمال، …الخ ) (معن خليل العمر، 2009، ص: 148) وهو يمكن أن يصدر من أي فرد من العائلة تجاه الطفل وعليه فإن ظاهرة العنف الممارس ضد الأطفال تطرح كانشغال تربوي على مستوى المؤسسات الاجتماعية التي تضطلع بتنشئة الأطفال منها على الخصوص الأسرة ومختلف المؤسسات التربوية فهي تدل على تأزم العلاقات الأسرية و تأخذ غالبا شكل التسلط والأبوية الزائدة التي يمارسها الآباء على الأطفال الصغار وهو ما يجعل منها مشكلة نفسية واجتماعية معقدة متشابكة العوامل تبدأ من الدوافع والغرائز.

   رغم الاعتراف المسبق بأن للطفل حقوق على الكبار تتمثل في التربية والرعاية والعطف والحنان واللين، و هو ما تنص عليه الكثير من القوانين التي تكفل وتحمي حقوق الطفل في مجملها ، فإن الطفل الصغير و الضعيف في نفس الوقت هو أول من يتعرض للعنف من كل المحيطين به من الراشدين بناء على حق توجيهه أو تقويم انحرافاته أو تحجيم سلوكه العدواني، وعليه فإن العنف يستمر مع الطفل من بداية ولادته حيث يتعرض لعنف “القماطة” و عنف التطبيع والتوجيه في التربية الأسرية، وتعج العديد من البيوت بأشكال عدة من العنف يمارس على الطفل، وأن العطف والحنان والرعاية المخصصة للطفل ما هي إلا كم قليل بالمقارنة مع السلوكات التي تتسم بالعنف بكل أنواعه حيث تحظر السلطة والتسلط في كل سلوكات الآباء عند توجيههم للطفل وتقويمهم لسلوكاته، بل نجد في كثير من الأحيان سواد التسلط والإكراه و الإهانة والعنف اللفظي والعقاب البدني، هي الشكل الأبرز في تربيتنا للأطفال(همل تكسب)، ومن ثمة يمكن أن توصف بأنها تربية العنف و ما لها من تداعيات نفسية على شخصية الطفل مستقبلا، و هكذا برزت رياض الأطفال كمطلب أسري و اجتماعي لتأخذ مكانها ضمن منظومة التربية والاهتمام بالطفل و قد انتشرت الرياض حتى كدنا نجدها حتى في القرى النائية وأصبح الآباء و خصوصا السباب منهم يرغبون في وضع أطفالهم في الرياض التي تعد الخبرة الواقعية الأولى التي يعيشها الطفل بعيدا عن البيت وبعيدا عن والديه و أفراد أسرته وهي مؤسسات تربوية تنموية دورها هو امتداد لدور الأسرة في تنشئة الطفل وإكسابه فن الحياة و تساهم إلى جانب ذلك في إسداء النصح و الإرشاد للأولياء فيما يخص تربية الطفل و التعامل معه.

الخلفية النظرية للبحث:

العنف:

   العنف كمفهوم سيكوسوسيولوجي و كممارسة بين البشر تناولته عدد من التيارات المعرفية المختلفة و خصوصا المنتمية لحقل العلوم الإنسانية و الاجتماعية، فعلماء الاجتماع يبرزون البعد الاجتماعي للعنف وينظرون إليه على أنه ذلك السلوك الناتج عن المأزق العلائقي في النسيج الاجتماعي والمصحوب بعلامات القوة أو الشدة والغلظة بغرض تدمير العقد أو الاتفاق الاجتماعي كالأعراف و التقاليد، أو صياغته ضمن علاقات القوة، سواء أكان ذلك في حالة الدمج القسري والطاعة والولاء والاستعباد والإقصاء للآخر، كما هو الحال في العنف الأيديولوجي، أو في حالة الاستغلال والامتهان والاغتصاب للقدرات الفردية والاجتماعية كما هو الحال في العنف الطبقي …الخ، أما علماء النفس فيبرزون المضمون النفسي للسلوك الموصوف بالعنيف، من حيث هو عدوان، و ينظرون إليه على أنه استجابة انفعالية غاضبة ينتج عنها سلوك تدميري سادي ( sadique) موجه ضد الأفراد أو البيئة، أو مازوشي ( masochique )موجه ضد الفرد نفسه نتيجة الاحباطات وبدافع الكره الشديد نحو الآخرين أو نحو الذات، أما رجال القانون فيبرزون البعد القانوني للعنف وينظرون إليه على أنه الاستخدام غير الشرعي وغير القانوني للقوة بهدف إلحاق الضرر بالآخرين أو الإرغام والإكراه البدني واستعمال القوة بغير حق …الخ .

أهمية رياض الأطفال: نستمد أهمية رياض الأطفال من خلال الاهتمام البالغ الذي توليها لها الدولة من خلال النصوص القانونية الصارمة التي تحكمها و المراقبة الشديدة المضروبة عليها، و من خلال تزايد انتشارها الذي أضحى يطال حتى القرى النائية ذات الكثافة السكانية المنخفضة، ذلك لأنها توفر للطفل الرعاية بكل صورها وتحقق مطالب نموه وتشبع حاجاته التي لم يتمكن من إشباعها في البيت كالحاجة إلى الحركة والنشاط واللعب الحاجة إلى التفكير والنمو العقلي، الاستطلاع، تنمية المهارات العقلية وتنمية الحواس واكتساب المهارة اللغوية، والتعبير عن الرغبات أو المعانات وعن الانفعالات بطرق مقبولة خصوصا الشفوية منها، كما تتيح له فرص اكتشاف ذاته و قدراته المختلفة، و هي تساعد و بصورة مبكرة على اكتشاف الخصوصيات التي يتمتع بها الطفل كالموهبة أو تلك التي يعاني منها كمعاناته من عاهة أو إعاقة أو حتى تعرضه للعنف من طرف أقرب الناس إليه والذين يفترض أن يوفروا له الحماية و الرعاية، و لكي تحقق الروضة تلك الأهداف فهي تراعي المتطلبات والاحتياجات الخاصة بالطفل كما تراعي الفروق الفردية بين الأطفال .

علاقة رياض الأطفال بالأولياء: تحاول رياض الأطفال أن تشرك الأولياء في العديد من الأمور التي تخص نمو وتطور الطفل من الناحية الدراسية و السلوكية و الاجتماعية والشخصية، وتتحاشى تكرار الطفل للسلوكات السلبية التي يكون قد تعلمها في البيت(Macral Contanco, J  1990 , P.206 ) و في هذا الإطار تلعب الروضة دورا هاما في توعية الأولياء حول أهمية العناية بالطفل وحمايته في البيت قبل أن يخرج إلى الشارع، و من الأهمية بمكان أن يستمر الدور التثقيفي للروضة بالنسبة للأولياء لكي تثمر جهودها و من هذه الأدوار أنها توجه الأولياء و ترشدهم و تقدم لهم الملاحظات التي تراها ضرورية خصوصا تلك التي تتعلق بسلوك الأولياء تجاه الطفل أو بسلوك الطفل ذاته، و ضمن هذه المهام الصعبة فإن رياض الأطفال تعتمد على التقدير الاعتباري والذاتي للقائمين على تربية الأطفال ومن خلاله تتم عملية ملاحظة السلوك و توجيهه وتقويمه.( بوصنبورة عبد الحميد، ص:44)

مكانة الطفل في الأسرة: إن وجود الطفل يعتبر نموا للأسرة يستدعي روابط إضافية بين الزوجين من حيث أن الطفل موضوع استثمار مشترك و رغم اعتماد الطفل على والديه فإن وجوده يحقق لكل منهما إشباعات نفسية و اجتماعية عميقة حيث أنه بالإنجاب تتحقق أنوثة المرأة و تثبت قدرة الرجل و استحقاقه للمسؤولية ، هذه الاشباعات ترفع من قيمة الأسرة بالنسبة إليهما، غنه يقدم لكل منها فرصة يحسا [انه كامل و تام، كما يسمح الطفل لأبويه بامتلاك مكانة جديدة في المجتمع و هي مكانة الأب و الأم ( castellan y , 1982, la famille, p : 56 ) 

أهمية الدراسة:

تستمد هذه الدراسة أهميتها من أهمية الموضوع المتناول ذاته، فالعنف الموجه ضد الأطفال الصغار يعتبر من المشكلات التي برزت و هي في تزايد مستمر، و رغم خطورتها، و آثارها السلبية على كل من الفرد والأسرة والمجتمع، فإنها لم تحظ بعد بالدراسة و الاهتمام الكافيين من طرف المختصين و ظلت حبيسة لجدان البيوت, وقد يؤدي القصور في المعرفة الدقيقة بالظاهرة إلى عدم فعالية محاولات التدخل لمعالجتها أو على الأقل الحد منها، كما أن خصوصية الظاهرة و تعقيدها, تفرض على الباحث في هذا المجال الابتعاد قدر الإمكان عن البساطة في تناولها و علاجها، خصوصا وأن ضحية العنف هنا هو الطفل وما تعتريه من صفات تتمثل في تكوينه النفسي و الجسدي الضعيف و عدم نضجه و قلة خبرته وسهولة التأثير عليه وعدم إدراكه لطبيعة ما يقع عليه بل وعدم قدرته على دفع ما يقع عليه (الفقي، 2003،ص:14) و في هذا الإطار أتيح للباحث بأن يطلع و لو على عدد قليل من الحالات بفضل تواجدها في رياض الأطفال واحتكاك الباحث بهذه الأخيرة فأجرى دراسة قصد التعرف على أشكال العنف التي يتعرض لها الطفل في البيت والتي يمكن أن تساهم الروضة في اكتشافها و من ثم علاجها مع الأولياء.

إشكالية الدراسة: تعد السنوات الأولى من حياة الطفل من أهم المراحل في تكوين شخصيته، ففي هذه المرحلة يكون شديد القابلية للتأثر بالعوامل المختلفة المحيطة به في الأسرة والمجتمع بصورة تترك بصماتها الواضحة عليه طوال حياته وخاصة من الناحية الجسمية والعقلية والنفسية، ( ميادة الباسل ، 1987 ، ص3 ) لذلك فإن الاهتمام الباكر بتكوين و تنمية شخصية الطفل بمختلف جوانبها من المهام الأساسية التي يجب أن تضطلع بها الأسرة ثم القائمون على العملية التعليمية من بعدها، و نظرا لمتطلبات الحياة و تعقدها و خصوصا خروج المرأة للعمل فإنه بات من الضروري التخطيط العلمي والدقيق والمنظم لأساليب تربية الطفل و رعايته و كذا الوسائل التي يجب تسخيرها لذلك ، خاصة وأن ما يكتسبه الطفل في السنوات الستة الأولى من حياته من قيم وسلوكيات وأثر ذلك في شخصيته مستقبلاً والتي قد يصعب  تغييرها في المراحل اللاحقة من حياته وذلك ما أبرزه فرويد Freud وأتباعه من أصحاب مدرسة التحليل النفسي في فكرهم، (نايفة قطامي، محمد برهوم، 1989، ص18 )، مما يفرض ضرورة إمداد الطفل بالمثيرات الحافزة للنمو و هي متعددة منها البيئية و الاجتماعية و النفسية و العاطفية و غيرها ، يتم كل ذلك في البيت كمرحلة أولى ثم تتدخل المؤسسات الاجتماعية الأخرى و تأخذ دورها في عملية التنشئة الاجتماعية للطفل، غير أنه  قد لا يحسن بعض الأولياء التصرف و قد يجهلون الطرق المناسبة للتربية مما يجعلهم يستعملون العنف في العديد من الأحيان مع الطفل الذي يكون بحاجة ماسة إلى الرعاية الجيدة و الإحاطة الكاملة من طرفهم ، فمثلا يعتبر ميلاد طفل جديد و إهمال الطفل ذو السنتين أو ثلاثة من العمر عنفا يعيشه الطفل به بكل قوة نظرا لفقدان الموارد العاطفية أو التقليل منها و نقص الانتباه إليه و قلة الاتهام به، ذلك ما يترتب عليه الميل إلى الانتقام من طرف الطفل أو الشروع في سلوكات غير محمودة كالبكاء أو التبول اللاإرادي أو التمارض أو القيام بسلوك عدواني موجهاً نحو الوالدين أو الممتلكات الشخصية بمحاولة إتلافها وتخريبها، كل ذلك لأجل جذب انتباههم إليه مرة أخرى و استرجاع العناية المفقودة مما قد يولد عنفا مضادا من طرف الآباء عليه خصوصا من طرف الأمهات، بل الأمر يكون أكثر خطورة حينما يطالب الأهل من الطفل و يفرضون عليه عدم التصريح بمشاعرهم و مخاوفهم و العنف الذي تعرضوا له وهو ما يؤدي إلى قلة نشاطهم الذهني وضعف الذكاء و قلة المبادرة و نقص الثقة في النفس التي يجب أن تكتسب في هذه المرحلة بتشجيع من الوالدين، هذا و يمكن اعتبار العنف الممارس ضد الأطفال الصغار ظاهرة منتشرة في جل المجتمعات المعاصرة، وهو يأخذ أشكالا متعددة يصعب التفطن إليها أو اكتشاف آثار العنف الممارس على الطفل إلا إذا قام بتفحص الظاهرة مختصين في علم النفس و التربية وممن يتعاملون مع الأطفال في هذه المرحلة، و هنا يبرز دور العاملين و العاملات برياض الأطفال في اكتشاف آثار ذلك العنف المادي و المعنوي الممارس على الطفل الضعيف من طرف أقرب الناس إليه و ذلك في غياب الرقابة و حتى الشكوى من طرف الطفل الضحية، و أمام ندرة الدراسات التي تناولت العنف الممارس على الطفل في المرحلة الأولى من العمر، فإن التساؤل البحثي التالي يطرح نفسه :

– هل يمكن لرياض الأطفال أن تكتشف العنف الممارس ضد الطفل من طرف ذوية؟

– ما هي أشكال العنف الذي يتعرض له الطفل في البيت ؟

– من هم الأشخاص الذين يمارسون العنف على الطفل في البيت؟

فرضيات الدراسة:

– يمكن لرياض الأطفال التعرف على العنف الممارس ضد الطفل من طرف ذوية.      – يتعرض طفل في المراحل الأولى من حياته لشتى أنواع العنف الجسدي الذي تلاحظه مربيات الروضة .

– يتعرض طفل في المراحل الأولى من حياته لشتى أنواع العنف المعنوي الذي يتجلى في سلوكات الطفل بالروضة.

يتعرض طفل في المراحل الأولى من حياته لشتى أنواع العنف الرمزي الذي يفصح عنه الطفل ويرفضه بإلحاح. 

نهج الدراسة: لأجل إنجاز هذه المهمة اعتمد الباحث على المنهج دراسة الحالة التي تهتم بالتركيز على الحالات الفردية التي تمثل الظاهرة المراد دراستها، و قد مكنت الباحث من دراسة الحالات دراسة شاملة و معمقة سهلت له إظهار الشيء النوعي الأكثر خصوصية عندها. ( baerdier , delay bergeret , 1981 , p : 183 )  

أدوات البحث: استعان الباحث بعدد من الوسائل البحثية سيما الملاحظة و المقابلة نصف الموجهة التي أجريت مع المربيات.

أ – الملاحظة: اعتمد الباحث في هذه الدراسة على الملاحظة المباشرة في مواقف محددة من حياة الأطفال و خصوصا  عند تواجدهم بالرياض و خلال مواقف التفاعل مع المربيات و مع باقي الأطفال و خلال مجيء الطفل إلى الروضة وعند خروجه منها مغادرا إلى البيت رفقة أولياءه.

ب – المقابلة: المقابلة  أداة مهمة مدت الباحث بالمعلومات اللازمة عن الأطفال و عن وضعيتهم العائلية و قد استعمل منها المقابلة الحرة و النصف الموجهة و قد أجريت مع كل من المربيات بهدف التعرف على أشكال العنف الذي يكشفنه عند مجيء الطفل إلى الروضة و مع أفراد العائلات التي تعرض أطفالهن للعنف و قد قابلها الباحث مرتين و ذلك قصد التأكد من الوقوع الفعلي لحالات العنف والوقوف على الأسباب الخفية وراء ذلك.

  عينة الدراسة:

تمثلت عينة الدراسة في ستة أطفال ذكور تتراوح أعمارهم بين ثلاثة و خمس سنوات و قد تم سحب هذه العينة  بطريقة مقصودة من مجتمع البحث الذي يتكون من ثلاث روضات للأطفال تقع بولاية باتنة تحتوي في مجملها على 45 طفلا تتراوح أعمارهم بين سنتين و خمس سنوات، و تشتغل بها 13 مربية يتمتعن بمستوى السنة الثالثة ثانوي منهن ثلاث مربيات تلقين تكوينا في مدرسة خاصة لتكوين مربيات الأطفال و تتراوح مدة عملهن بالرياض ( خبرتهن) بين 12 سنة وثلاث سنوات.

مصطلحات الدراسة:

العنف: العنف لغويا كما جاء في معاجم اللغة العربية هو ضد الرفق واللين والعطف والحنان والرحمة والتسامح والسلام والسلم، وبالتالي فهو يكون مرادفا للشدة الزائدة والغلظة والضغط والإكراه والقسر والترهيب والتهديد والوعيد، وبناء عليه فكل سلوك يصدر عن فرد أو جماعة ضد فرد أو جماعة أخرى يتضمن هذه المعاني يوصف بأنه سلوك عنيف.

عنف الأطفال: عرفه كل من جيلس و ستراوس سنة 1976 بالفعل المؤذي بتعمد لشخص آخر أو ما يتم إدراك تعمده من  قبل شخص آخر.( viano,1992,p :79 )

طفل الرياض :

المقصود به الطفل الملتحق برياض الأطفال والذي يتراوح عمره بين سنتين وأربع سنوات وتعتبر هذه الفترة هي فترة المرونة والقابلية للتعلم وتطوير المهارات ، كما أنها فترة النشاط الأكبر والنمو اللغوي الأكثر، يتم قبوله بالروضة بعد تقديم ملف إداري و صحي كامل. ( أمل القداح ، 1997 : ص10)

رياض الأطفال:

هي مؤسسات تربوية ذات مواصفات خاصة، تستقبل الأطفال في مرحلة عمرية تسبق المرحلة الابتدائية من الذين بلغوا سن الثانية ولم يتجاوزوا الخامسة من العمر، وتهدف إلى تحقيق النمو المتكامل لطفل هذه المرحلة بما توفر له من ممارسة الأنشطة الهادفة، واكتساب المهارات التي تمكنه من مواجهة المواقف الحياتية والتعاون مع الآخرين. ( جوزال عبد الرحيم ، 1981 : ص18 ) 

نتائج الدراسة: من خلال الملاحظات الجوهرية التي انصبت على الحالات محل الدراسة و كذا المقابلات التي أجريت مع الأطراف التي لها علاقة بأطفال الرياض، وقف الباحث على حقيقة هامة يجهلها ربما حتى بعض أفراد الأسرة الواحدة و توصلت الدراسة إلى نتائج مهمة مفادها أن الحالات المدروسة تعرضت فعلا للعنف من طرف أوليائها وتتجلى آثار العنف في العديد من السلوكات و هي  تتمثل فيما يلي:

1 – نتائج الفرضية الأولى التي نصها:( يمكن لرياض الأطفال اكتشاف العنف الممارس ضد الطفل من طرف ذوية.) تملك رياض الأطفال من الإمكانات و التقنيات ما يؤهلها للكشف عن العنف الممارس ضد الأطفال من طرف ذويهم، فبالنسبة للحالات المدروسة اتضح أن أحد أفراد الأسرة وعموما تكون الأم هي التي تعتدي على الطفل وتخفي سلوكها العنيف على زوجها وعلى باقي أفراد الأسرة بل تكون حريصة على إخفائه عن مربيات الروضة اللائي يلاحظن و خصوصا خلال الأيام الأولى من التحاق الطفل بالروضة بعض آثار العنف التي يترجمها الطفل الضحية إلى سلوكات دالة دلالة كاملة على أنه يتعرض للعنف و يمكن لتلك السلوكات أن تستمر لمدة أطول رغم تصدي الروضة لها و طمأنة الطفل بأنه لا يعنف من طرف المربيات و يعيش الأمان بنفسه ، كما أن الطفل الذي يتعرض للعنف من طرف ذويه يكون في غالب فترات اليوم الذي تعرض فيه للعنف شارد الذهن وكثير الحركة غير الهادفة و كأنه بصدد تفريغ شحنات من الغضب نفس الوقت إذ لا يلتزم بالسكون و السكوت عندما يكون الأطفال في تلك الحالة، إذ نجده يصدر أصوات غير مفهومة أو يتكلم حديثا يصعب فهمه نتيجة لتداخله و اضطرابه غير أنه غالبا ما يعبر الطفل عما تعرض له في البيت، و في غالب الأحيان نجد أن الطفل الذي تعرض للعنف في البيت يكون في بعض الحالات عطوفا ودودا يبحث عن العطف و الحنان من المربية و يحاول لفت انتباهها و يعتمد عليها في كثير من الأعمال التي يفترض أن يكون مستقلا فيها كبقية الأطفال.

2 – نتائج الفرضية الثانية التي نصها:( يتعرض طفل في المراحل الأولى من حياته لشتى أنواع العنف الجسدي الذي تلاحظه مربيات الروضة) .

من بين المهام الرئيسية التي تضطلع بها مربيات رياض الأطفال وضمن برنامج الروضة للتعامل مع الأطفال خصوصا الجدد منهم هو ملاحظة سلوكهم و تصرفاتهم و أخلاقهم و لغتهم و لباسهم وغيره، وعليه فقد تمت ملاحظة أطفال الرياض المعنية بهذه الدراسة وتبين فعلا وجود بعضا من آثار للعنف على جسد أحد الأطفال الذي لكمته أمه على جبينه ثم حاولت التستر على فعلها و أخفته بدون جدوى بمسحوق خاص بتحضير الوجه للماكياج ومخصص لإخفاء التجاعيد ) fond de teint) لكن مربيات الروضة يتفطن لذلك الفعل، كما اكتشفت المربيات طفل آخر ضحية للعنف الجسدي حيث تبدو آثاره على جسمه وهي تتمثل في ارتسام أصابع الأم عند ضرب ابنها على جسده، و تم ذلك لأن الطفل تألم عندما أمسكته المربية من كتفه، و طفل آخر اطلعت المربية على لآثار العنف في جسده عندما رافقته إلى المغسل حيث اتضح أن إليتيه تشوبهما الزرقة و قد صرح الطفل بأن أمه هي التي ضربته و لم يذكر سبب استعمال العنف المستعمل ضده، كما أن العديد من الأطفال يأتون وهم مصابون بجروح نتيجة للإهمال من طرف الأولياء مما يعرض بعض الأطفال إلى السقوط فوق أشياء حادة مثل طفل سقط على حافة سرير و أرسلته أمه ينزف بالدماء على أمل أن تنسب السقوط إلى الروضة.

كما تمت ملاحظة ذات الأطفال الذين تعرضوا للعنف أنهم و خصوصا في الأيام الأولى من الالتحاق بالرياض يكونون في حالة تأهب و دفاع عفوي إذ يقدمون أيديهم و يرفعونها لإخفاء وجوههم أي يكونون في عندما تقترب منهم المربية لمداعبته أو لتصحيح وضعية جلوسه أو إعادة تصفيف شعره مثلا فإن الطفل ينظر للمربية بنظرة فيها الكثير من الخوف حتى في حالة التوجه إليه بسؤال فإنه الطفل يستجيب بطريقة توحي بتعرضه للعنف في البيت فنجده يرفع يديه لحماية رأسه ويكون في وضعية وحالة دفاع مستمرين تجاه أي خطر قد يتهدده كما ألف ذلك في البيت خوفا من أن تضربه المربية أي أن الطفل.

كما يحرم بعض الأطفال من اللمجة كعقوبة على سلوكهم في البيت حيث يجدون أنفسهم في حرمان من الأكل خلافا لباقي الأطفال، فنجد بعضهم أول ما يدخل في الصباح إلى الروضة حتى يصيح بأعلى صوته  بأن أمه حرمته من اللمجة اليوم لأنه قام بسلوك غير مرض بالنسبة لها، ثم يروي بأنه دأب على حرمانه من الأكل حتى في البيت بسبب تكراره لبعض السلوكات مثل التبول اللاإرادي أو مص الأصابع، أو الخوف والقلق غير المبررين بالنسبة للأولياء و هي سلوكات ناتجة في غالب الأحيان عن طفل يشعر بخيبة أمل في الحصول على رغباته، و هي طريقة لشد انتباه الآخرين إليه، وجلب عطفهم و هي حالة تتكرر عند ميلاد كل طفل جديد في البيت و تسمى بالغيرة التي تبلغ قمتها لدى طفل الأربع سنوات من العمر الذي يعيش الإهمال الفعلي نتيجة الاعتناء بالمولود الجديد، حيث يحظى هذا الأخير بالعناية أكثر مما يلزمه، وذلك ما يضايق الطفل الأكبر (الصغير السن) مما يجعل والديه يقابلان سلوكه العفوي الناتج عن الغيرة باستعمال العنف والعقاب.

3 – نتائج الفرضية الثالثة التي نصها:(  يتعرض طفل في المراحل الأولى من حياته لشتى أنواع العنف المعنوي الذي يتجلى في سلوكات الطفل بالروضة).

عند مجيئه إلى الروضة و مكوثه بها يتصرف الأطفال بكل عفوية و براءة، وذلك ما يسهل على المربيات اكتشاف أنواع التهديد و الوعيد و الحرمان الذي يتعرض لها بعض الأطفال في البيت فالخوف من الروضة عند الالتحاق بها لأول مرة كشف بأن بعض الأولياء كانوا يهددون طفلهم بوضعه بالروضة عندما يأتي سلوكا لا يعجبهم، و ما خوف بعض الأطفال من المربية سوى نتيجة لتخويف الأولياء لابنهم بأن المربية سوف تضربه إذا لم ينته عن القيام ببعض السلوكات غير المرغوب فيها من طرفهم فيتعقد الطفل عندما يأتي إلى الروضة بأن الأولياء بصدد تنفيذ وعيدهم و أن التهديد سوف يحصل له فعلا في الروضة مما ينعكس على سلوك الطفل الذي يتسم بالرفض مما يعرضه لمزيد من العقاب المعنوي كالترك دون مبالاة.

كما تكتشف المربيات أنواع الحرمان الذي يتعرض له بعض الأطفال في البيت مثل الحرمان من اللعب و المتعة حيث يلاحظ أن الطفل يتلهف لملامسة اللعب المتواجدة بالروضة و يتمسك بها و يريد امتلاكها واستعمالها لوحده رغم أنه يملك لعبة معينة و قد يصطحبها معه للروضة لكنه يصرح بأنه يجب علية المحافظة عليها سليمة نظيفة و لا يجب استعمالها خوفا من أن يتعرض للضرب من طرف والده لذلك فإن اقتناء اللعبة للطفل لم يكن لتلبية حاجته للعب و إنما لأجل التظاهر أمام الآخرين مثل الجيران، و كذا الحرمان من بعض أنواع الأطعمة التي يكتشفها الطفل لأول مرة بالروضة عندما يراها عند طفل آخر فيسأل ما هو هذا الأكل؟ و هو دليل على حرمانه منه

. نتائج الفرضية الرابعة التي نصها:(يتعرض طفل في المراحل الأولى من حياته لشتى أنواع العنف الرمزي الذي يفصح عنه الطفل ويرفضه بإلحاح.) الاحتقار أو الازدراء رغم صغر سنه إلا أن طفل الروضة ينبه و يتأثر إذا تعرض لعنف رمزي يمس بشخصيته و كينونته و يضعه في وضع يراه غير لائق و لا يرضيه إذ نجده يحتج على بعض سلوكات الأولياء أمام المربيات و ذلك كأن يحتج مثلا عن سوء اختيار اسمه مما يتماشى و يتلاءم مع ما تفرضه الضرورة العصرية و التأقلم مع الوضع و الوقت و الموقف الذي يعيشه الطفل حيث نجد من يسمي ابنه بأسماء أجداده التي تعتبر أسماء قديمة جدا إن لم تكن ميتة فيرفضها الطفل ولا يرغب في مناداته بها و يطلب من المربيات مناداته باسم يختاره بنفسه لنفسه تقليدا لأحد الأصدقاء أو الأقارب أو أبطال المسلسلات الكرتونية، كما أن تغيير الاسم الحقيقي (تصغير الاسم) إلى اسم آخر للدلال و الدلع ما يجعل الطفل يرفض ذلك و يذكر باسمه الذي يرضيه و يطلب من المربيات مناداته به و لا يستجيب لأحد إذا نودي باسم غيره و هذا إيذاء نفسي كبير للطفل ومن الممكن أن يؤثر ذلك سلبا على سلوكه فيشعر بالخجل ومن ثم الانطواء بعيدا عن الأطفال بسبب اسمه، وهو ما دأب على فعله في البيت و ينقله إلى الروضة وذلك ما أشار إليه الرسول صلى الله عليه وسلم أن للاسم تأثير على صاحبه من خلال تغييره لأسماء بعض الصحابة وثبت ذلك بأفعال الصحابة كعمر بن الخطاب حينما قال لأحدهم أدرك أهلك فقد احترقوا بناء على اسم الرجل. http://www.hmsss.com/vb/showthread.php?t=7579 
 قائمة المراجع:

 4 –

معن خليل العمر، 2009، علم ضحايا الإجرام، دار الشروق للنشر و التوزيع، عمان الأردن.

الفقي أحمد عبد اللطيف، 2003، وقاية الإنسان من الوقوع ضحية للجريمة، دار الفجر للنشر و التوزيع ، القاهرة مصر.

Viano emilio,1992, victimology, spriger pub new York usa castellon y , 1982,

 la famille, paris , ed puf Francecastellon y , 1982, la famille, paris , ed puf France

http://www.hmsss.com/vb/showthread.p

 

Previous post

القلق الاجتماعي عند الأطفال وعلاقته بظهور السلوك العدواني عليهم- – دراسة مطبقة على تلاميذ السنة الأولى من التعليم المتوسط بدائرة طولقة- صباح ساعد/سليمة سايحي قسم العلوم الاجتماعية/ شعبة علوم التربية

Next post

المعوقات الاجتماعية الثقافية لتطبيق اتفاقية حقوق الطفل في المملكة العربية السعودية. دراسة وصفية مطبقة في مدينة الرياض

You May Have Missed

آخر الأخبار