إستراتيجية حماية الطفل من العنف

إستراتيجية حماية الطفل من العنف

 إستراتيجيات حماية الطفل من العنف

ملخص البحث :

إن الاهتمام بالطفل هدف من أعز الأهداف التي تسعى جميع الأقطار العربية إلى تحقيقها ، فالاهتمام بمستقبل الطفل هو في الحقيقة ضمان مستقبل شعب بأسره ، لأن الطفولة هي صانعة المستقبل ، وإن أطفال اليوم هم رجال الغد فالطفل هو الثروة الحقيقية للوطن العربي ، وهو الأمل في الحاضر والمستقبل ، فالأطفال يشكلون أهم نواة في المجتمع ولذلك نجد جميع العهود والمواثيق التي تتكلم عن الطفولة ببالغ من الأهمية حيث نجد إنعقاد عدة مؤتمرات عالمية ومنها القمة العالمية من أجل الطفل والذي عقد تحت رعاية هيئة الأمم المتحدة في سبتمبر 1990 ، وعلى المستوى الوطني نجد المجلس العربي للطفولة الذي يقدم خدماته للطفل في كافة الدول العربية  ، كما أن هناك إتفاقيات عالمية حقوق الطفل ، هذا الاهتمام المتزايد من طرف الدول على المستوى العالمي بالطفل جعل من الطفل محور حياة الإنسان الذي بطبيعة الحال ينطلق من الطفولة وصولا إلى الشيخوخة ، هذه المسيرة العمرية إن كانت إنطلاقتها فاشلة ستكون مؤثرة على بقية حياة هذا الفرد ، ذلك كما يرى العالم الكبير أينشتاين أن التعليم بشكله النظامي يعيق ظهور العبقرية ولا يدعمها ، فهذه النبتة الصغيرة في روح كل طفل في حاجة إلى الحرية وإلى إشباع حب الاستطلاع المقدس ولعل مسؤولية الحصار الذي يعيشه الطفل العربي موزعة على جهات عدة على رأسها نظام  الأسرة  والمؤسسة التعليمية ، والمؤسسات الثقافية والإعلامية والحي والمسكن والفضاء السكني .

ولهذا نقول إن عملية التنشئة الاجتماعية ودور الفاعل الإجتماعي يسمحان وبإستمرار بإمكانية تغيير التوجهات الفكرية والتقنية  والإدراكية للطفل ، ويعطيان معقولية ضرورية لفهم واستيعاب القيم الإنسانية التي لا تمتلكها حضارة أو ثقافة بعينها بل تلك التي تجمع بين مختلف الثقافات والحضارات وتوحد الإنسانية في مساراتها الاجتماعية العالمية ، فثقافة حقوق الطفل بمفاهيمها وقيمها المتعددة ، يستلزم نشرها وتنشئة الناشئة على مبادئها فهما مفتوحا لعملية التنشئة الاجتماعية وفاعلين اجتماعيين يحددون مواقعهم في إطارها ، وهي ثقافة متفتحة على كل الثقافات والحضارات ومفتوحة أمام فعل العقل وفعل التغييرات الاقتصادية و الإجتماعية والثقافية التي تنشآ سياقات ومفاهيم جديدة متسقة مع متطلبات كل مرحلة .

من خلال ما ذكر سابقا، فإننا سنحاول أن نقدم في مداخلتنا إستراتيجيات لحماية الطفل من العنف. 

إشكالية البحث:

إن ما يواجهه الطفل العربي من عجز في السياسات الإجتماعية الفاشلة الموجهة له هي نتاج التحولات الديمغرافية الكبيرة والتي  تنجز بمعدل نمو سكاني نحو المتوسط ، وربما كان هو الأعلى في العالم ، وبالطبع ثمة تفاوت معتبر في هذا المعدل بين الأقطار العربية يعزى إلى الفجوة الواسعة بين معدلات الخصوبة ومعدلات الوفيات العامة ، والذي يقود بدوره إلى تزايد في أعداد ونسب الشباب والسكان المعمرين ، ويؤدي إلى إرتفاع هذه النسب إلى زيادة معدلات الإعالة وتناقص في فرص العمل للسكان في سن العمل ، وتزايد الفقر وسوء التغذية والتوزيع غير المتساوي للموارد ، وتدهور مستويات التعليم والرعاية الصحية وتراجع نصيب الفرد من نفقات الرفاهية الإجتماعية كما أن هناك إتجاه قوي في الوطن العربي  نحو تزايد النمو الحضري ، وإن كان هذا الإتجاه ينتج عنه تضخم حجم المدن وتشوهات التنمية وتراكمات النمو الغير متوازن حق الطفل في ظل هذه التراكمات الهائلة وهو إتجاه له تداعياته السلبية على رفاهية السكان وعلى حياة الطفل خاصة وهذا على الرغم بما قامت به الأقطار العربية بمحاولات  دمج الإعتبارات السكانية بمخططات التنمية وإعادة تخصيص الموارد وزيادة نفقات الرعاية من أجل تحقيق العدالة الإجتماعية ، والقضاء على الفقر وتحسين نوعية الحياة لجميع السكان ، وضمان حقوق الإنسان العربي بما في ذلك الحق في التنمية ، لكن هذه المحاولات باءت بالفشل في تحقيق التوازن المرغوب بين السكان والتنمية وفي التأثير على محددات النمو السكاني أو في زيادة مستوى رفاهية السكان والحد من الفقر، بل ساهمت سياسات التكييف  الهيكلي والتثبيت الإقتصادي وخصصت المرافق العامة التي تبنتها الأقطار العربية في حفظ الإنفاق الحكومي على الرفاهية الإجتماعية للطفل خاصة ، والخدمات العامة كالتعليم والصحة والسكان والضمان الإجتماعي ، هذه الإنعكاسات السلبية لسياسات التنمية الإجتماعية والإقتصادية للبلدان العربية وعدم وجود سياسات وإستراتيجية هادفة لحماية المواطن وتحقيق التوازن الإجتماعي  والإستقرار الأمني إنعكست سلبا على حياة الطفل الذي يعتبر مستقبل الأمة العربية جمعاء في مأزق المستقبل ، حيث لازال الطفل يعاني من حصار جهات عديدة على رأسها نظام الأسرة العربية والتي قد تكون أفضل حالا من العديد من الأسر الغربية من حيث تماسكها الإجتماعي ، ولكنها قليلة الإمكانيات محدودة الحركة فلا توجد مؤسسات تساعدها ، ولا قوانين تحميها إقتصاديا أو سياسيا وبالتالي تكون عديمة الفاعلية في أحيان كثيرة لا تستطيع أن توفر لأفرادها أي نوع من الحماية ، كل ما في الأمر أنها تعطيهم قدرا ما من المودة والمحبة ثم تدفعهم عراة لمواجهة أقدارهم في عالم بالغ المشقة وحتى لا نتجنى على الأسرة العربية فالحال سيئ جدا في الأسر الغربية ، فقد ولدت ضغوط الحياة نوعا من فقدان التواصل بين الأجيال المختلفة ، فهناك دراسات عديدة تؤكد على ضياع مستقبل الطفل في العالم الغربي ، في دراسة حول الوقت الذي يستغرقه الآباء في الحديث الجدي مع أولادهم  ، أشارت الإحصائيات القادمة من هولندا إلى أنها لا تستغرق أكثر من 11 ثانية يوميا فقط بينما كان أبناء الأمريكيين اسعد حظا لأنهم يتحدثون مع أبائهم لمدة دقيقة واحدة يوميا[1].

ومن هنا نقول فإن حال الطفولة في العالم العربي أصبح  يؤرق القائمين على أنظمة السياسات الإجتماعية حالها مثل حال الأنظمة العربية والتي هي بدورها تبحث عن أطر ناجحة لسلامة الطفل ولهذا نقول إننا أمام واقع لا يضيق الخناق على واقع الطفل المبدع فقط ، ولكنه لا  يتيح للأطفال العاديين أن يأخذوا نصيبهم العادل من منجزات الطفولة ، فالبيئة العربية الضاغطة تحرمهم من العديد من المثيرات العصبية والحسية التي تنمي من درجة إدراكهم للوجود من حولهم والمؤسسة التعليمية تتحمل عبئا كبيرا في هذه المسؤولية وكذلك المؤسسات الأخرى ، والمؤسسة التعليمية والمؤسسات الثقافية والإعلامية والمحيط الذي يعيش فيه الطفل إنطلاقا من هذه التصورات لواقع الطفل العربي ومأزق المستقبل فما هي السياسات الإجتماعية الناجحة التي يمكن أن تطبقها الأنظمة العربية لحماية الطفل ؟ إلى متى تبقى إستراتجيات النهوض بالطفولة حق ضائع ؟ إن الإجابة على هذه التساؤلات تتطلب رؤية مستقبلية للطفل العربي في ظل الهيمنة والعولمة التي تواجهها الأقطار العربية ولهذا فالممكن إقتراح إستراتيجيات ونتائج لهذا البحث والتي تبقى رؤية نظرية وتطلعات لواقع الطفل والسياسات الإجتماعية في الأقطار العربية .

ومن بين الإجابات التي أراها تعبر على تساؤلات الإشكالية .

v 1/ دراسة البيئة الأسرية للطفل :

أ)- إستراتيجية تحسين البيئة الأسرية :

تعد البيئة الأسرية من أهم الأوساط الإجتماعية تأثيرا في بناء شخصية الأفراد ومنه توجيه سلوكهم داخل البناء الإجتماعي ككل ، وتعد الأسرة المؤسسة الإجتماعية الأولى التي ينشأ فيها الطفل ، حيث أنه يولد عاجزا على توجيه سلوكه وتمثل الأسرة الحضن الإجتماعي الذي يعمل على توجيهه وتثبيت نموه الجسمي والمعرفي ونضجه النفسي والعقلي والإجتماعي ، فبالوجود  الإجتماعي للطفل تعمل الأسرة جاهدة في إشباع ورعاية شؤونه مما يجعله يحس بالطمأنينة والأمان ، إبتداءا من الأيام الأولى من حياته حيث أن نموه يبرز من خلال تفاعله مع أسرته في إطار ثقاة معينة متميزة عن غيرها ، مما تتضمنه من لغة وقيم ومعايير وعلاقات إجتماعية  بذلك يتحول من كائن بيولوجي إلى كائن إجتماعي قادرا على التكيف مع المجتمع  الخارجي وباعتبار الأسرة جماعة أولية فإنها تعتبر أساس إنجاب الأطفال الواجب رعايتهم وتربيتهم بالتالي يمكن القول بأنها تقوم بأسمى الوظائف والمتمثلة في التربية والتنشئة الإجتماعية للطفل وقد تتجاوز هاتين الوظيفتين بتوفير المناخ الملائم لطفل بكل حاجاته النفسية والإجتماعية والمادية ، وإعتبارا من أن التنشئة الإجتماعية عملية يتم بواسطتها توجيه الطفل على نهج حياة أسرته والجماعات الإجتماعية الأكبر إنطلاقا من تنمية قدراته الأساسية التي تبدأ منذ ولادته إلى تنمية سلوكه الفعلي نحو إكتساب ثقافة المجتمع الذي ينتمي إليه وما تحتويه من قيم ورموز ومعايير مما يساعده على تكوين شخصيته كما يعرفها ( سيد عثمان – التنشئة الإجتماعية بأنها عملية تعلم قائم على تعديل أو تغيير في السلوك نتيجة التعرض لخبرات وممارسات معينة خاصة ما يتعلق بالسلوك الإجتماعي لدى الإنسان وبذلك تكون عملية تفاعل يمر عن طريقها تعديل سلوك الشخص حيث يتطابق مع توقعات أعضاء الجماعة التي ينتمي إليها )[2].

ويعرفها تالكوت بارسونز ( التنشئة الإجتماعية بأنها عبارة عن عملية التعلم والتلقن والمحاكاة

والتوحد مع الأنماط الثقافية والعاطفية والأخلاقية عند الطفل الراشد ، وهي تهدف إلى إدماج عناصر الثقافة في نسق الشخصية وهي عملية مستمرة لا نهاية لها[3]  .

من خلال قراءتنا لهذه التعاريف تبدو التنشئة الإجتماعية بأنها عملية مهمة بالنسبة للفرد والمجتمع ، حيث عن طريقها يكتسب الفرد ذاته الإجتماعية وينقل ثقافته من جيل إلى أخر ويكتسب أيضا التفاعل الإجتماعي داخل البيئة الإجتماعية التي يعيش فيها ، ومن هنا فقد أبرزت الدراسات الحديثة ذلك الجانب الذي تلعبه جماعة الأسرة في عملية تنشئة الطفل ويمكن القول هنا بأن أول مجال للتنشئة الإجتماعية للطفل هو الأسرة ، لكن ما نراه حاليا في المجتمعات الغربية والعربية إهمال كبير لرعاية الطفل ، خاصة الطفل المتواجد في البلدان العربية التي شهدت نمو ديمغرافي كبير وشهدت تغيرات سياسية وإقتصادية وإجتماعية بفعل المستجدات والمتغيرات التي لم يسبق للعالم أن شهدها بصورتها الحالية ، ولعل أبرز المستجدات وأهمها اليوم على الساحة العالمية هي ظاهرة العولمة التي أصبحت محط أنظار الجميع بما أخذت تشكله في حياة الشعوب من تحديات إقتصادية وسياسية وثقافية وفكرية التي بدأنا نلمس أثارها في مختلف جوانب الحياة ، فالأزمات الإقتصادية التي يشهدها العالم اليوم والتي رافقت ظهور العولمة شكلت منعطفا في حياة الشعوب مما جعلها تدرك أنها مقدمة على العيش في مرحلة جديدة تختلف عن سابقتها ، والملاحظ على هذه المرحلة أنها لا تزال في طور التكوين ولذا فإن بعض ما نشاهده من أثار هي في الواقع ليست الآثار الكلية والجوهرية المتوقع حصولها لو أن مسيرة العولمة أخذت مداها المتصور ، وهذا ما أخذ يشكل هاجسا لمختلف دول شعوب العالم فالخوف على المستقبل في ظل العولمة نجده يشمل جميع دول العالم سواء الغنية منها أو الفقيرة[4] 

إن أهم المتغيرات التي حدثت في هذه العشرية الأخيرة حدوث مشكلات متعددة على مستوى الأسرة وفئات الطفولة والمرأة كان نتاجها التغيرات السريعة غير المسبوقة بفعل عوامل العولمة التي أخذت تلوح في الأفق وكانت انعكاساتها على الدول الضعيفة أكثر والدول غير مصنعة أثقل والدول التي شهدت أزمات سياسية وإجتماعية وثقافية أصعب ، إنطلاقا من هذا القول فالمجتمعات العربية خاصة شهدت عدة تغيرات على جميع المستويات منها الإجتماعية ( الأسرية )   فالتغيرات حدثت لتهز أركان الأسرة المسلمة وإنعكاساتها على التنشئة الإجتماعية إنطلاقا من حياة الطفل إلى غاية كبره  ولما كان موضوع الطفل حديث  الساعة سارعت جميع أقطار العالم لحماية الطفل من الضياع والانسياب وأنشئت العديد من المنظمات الحقوقية لحماية الحياة البشرية ، لكن نجد واقع مغاير لحياة الطفل خاصة في الأحياء الفقيرة والعشوائية فبالمجتمعات العربية خاصة والعالم عامة حيث قدرت أحد المنظمات العالمية عن حجم ظاهرة طفل الشوارع تقدر بـ:100مليون طفل شارع في العالم وهي منظمة CHILD HOPE الدولية عام 1991 ، منهم 40 مليون في أمريكا اللاتينية وأمريكا الوسطى و25 – 30 مليون في أسيا و10 ملايين في إفريقيا و من 20-25 مليون في أنحاء متفرقة في العالم ويقدر عدد أطفال الشوارع في الوطن العربي من 07- 10 مليون طفل ، وتوضح الكثير ومن المؤشرات والدلائل أن الظاهرة أخذت في الإزدياد و التفاقم بالإستناد إلى إحصاءات تقديرية أجرت عدد من الدول العربية التي اعترفت بوجود الظاهرة ،حيث يعيش في المغرب حوالي 234 ألف طفل شارع وفي مصر نحو 93 ألف طفل شارع وفي السودان 37 ألف طفل شارع وفي اليمن 07 ألاف طفل شارع وفي لبنان نحو 3500 طفل شارع[5].

هذه الظاهرة التي ظلت مستمرة لا يمكن دراسة طفل الشوارع في منأى عن دراسة التحولات الأسرية في المجتمع العربي والتي هي من المنظور السوسيولوجي في الطروحات النظرية  التي تتناول هذا الموضوع أي التحولات الأسرية من زاوية مختلفة سواء كان ذلك من الناحية

المعرفية أو الإتجاهات التي في معظمها تؤكد على محك أولي ووحيد يمكنها من تفسير متأثرا بالثقافة السائدة وبالنظم والضوابط والقيم وسبل أنماط العيش والسياسة التي تستخلص من تاريخ وحضارة في زمان ومكان ، كما نجد أن التركيبة الإجتماعية للمجتمع من ناحية الجنس التي تتباين بحسب الطفولة والشباب والشيخوخة لها تأثير في تجديد نطاق بناء الأسرة والعامل السكاني ، كالزيادة في المواليد والوفيات والحركة السكانية كالهجرة الداخلية والخارجية التي تعمل على إستعمال مناطق جديدة للإستيطان والتعمير يرافقها التغيير في نمط المعيشة والتنظيم للأسرة والذي يؤثر بدوره على نمط العلاقات التي تعمل على خلق توازن جديد لبناء الأسرة ووظائفها الجديدة ، كما أن تنظيم الأسرة وتمكينها من اعتماد بناء وظيفي متكامل يتجاوب مع تطورات العصر ويستطيع أن يعطيها بقاء وإستمرارية مميزة بصورة دائمة تحتم علينا إجراء دراسات معمقة حول الانعكاسات التنموية السريعة ومدى تأثيرها على النسق العام للمجتمع من الناحية الخارجية ونسق العائلة كخلية أولية منها يبنى وعليه تعتمد بصورة تبادلية وتكاملية وكذلك محاولة التعرف على كل الأشكال والأنماط المحركة بصورة ديناميكية لنظام ووظائف الأسرة وهو ما توضحه بعض الأعمال الجادة حديثا والتي تؤكد على أن التغيرات المهنية من الممكن أن تتشابه في المجتمعات النامية ، لكن لقد رأينا أن الطروحات النظرية والدراسات الميدانية التي تناولت تغيير الأسرة تركز على المبتكرات الإنسانية التي تحدث التحولات العميقة داخلها ، تمكن بالدرجة الأولى من تنظيم العلاقات السائدة بين الأفراد ، كعلاقة الزوج بالزوجة وبين الأبناء والآباء وبين الجيل والأخر وبين الجنسين ، وهذه كلها تغيرات وتغييرات أسرية لها علاقة بحياة الطفل داخل الحي الذي يسكن فيه ، ومن هنا فحياة الطفل وحمايته تكون كذلك في  الاختلالات التي تظهر بمرور فترة زمنية من دورة الحياة العائلية وتطبع انساق الأسرة وتنظم الزواج،هذه الطروحات في حقيقة الأمر ليست نظريات للأسرة أو تفسيرات سوسيولوجية من حيث التعميم والعالمية،فهي عبارة عن فروض أحادية العامل تنطلق من إن التغيير الأسرى أو الاجتماعي هو نتيجة لعامل التكنولوجيا الناتجة عن الاختراع  وتحسن أدوات الإنتاج التي تنشط عملية التغيير ،هذا المنطلق تطغى عليه مسلمة رئيسية وهى إن الآلة الإنتاجية المستخدمة للوسائل المختلفة للوسائل المختلفة المتبعة في طرائق العيش هي التي تعمل على تحول الكيان البشري ومختلف مقوماته الإجتماعية سواء كان ذلك على المستوى المادي له ، وكما تعمل على تحديد الجوانب الفكرية والسلوكية وحتى السياسية داخل الوحدة العائلية والمجتمع ، هذه النظرية تكون في الغالب مدعمة بدراسات وبحوث كثيرة مبنية على أساس التغير الإقتصادي كدراسة أنجلز ( أصل العائلة والملكية وتكوين الشخصية والدولة ) ومشال كورسيه ( صورة العائلة وصورة الإقتصاد ) وغيستوف ( تاريخ الإرتباط العائلي والزوجي والعائلة القديمة ) ودراسة لوبلاي ( العائلة والدخل )[6].

وما يمكن ملاحظته من خلال هذه الدراسات التي تحاول البرهنة على أن نمط الإنتاج و العلاقات القائمة معها يقرران أشكال وأنماط ونظم العائلة وكذا الطبقة المالكة والمؤسسات المختلفة داخل المجتمع ، هذه الأفكار نجد لها تأثيرا كبيرا في التراث الفكري الحديث يعتني بدراسة الأسرة وعلى العموم فإن التغير بالنسبة للوظائف الأسرية سواء كان ذلك  راجع إلى عامل واحد أو عدة عوامل على  المستوى الريفي أو الحضري فالسبب الرئيسي يرجع بالدرجة الأولى إلى آليات وميكانيزمات تتكون داخل المجتمع .

v 2/ وضع إستراتيجية إجتماعية لتحسين بيئة الأحياء السكنية لسلامة الأطفال  :

من خلال دراسة واقعية لهذا العنصر نجد أن هناك إتساع النطاق العمراني للعديد من المدن العربية خلال العقود القليلة الماضية وأتسعت معه المناطق والأحياء السكنية العشوائية وتخطيط غالبية تلك الأحياء بطريقة عشوائية وغير منظمة ، هذا ما نتج عنه تدني مستوى سلامة الأطفال ونقص الأمن نظرا لعدم وجود فضاءات ترفيهية وإنعدام المساحات الخضراء وانتشار القمامة والباعة المتجولين و إنتشار الرذيلة داخل هذه الأحياء ، هذه إفرازات عمرانية قد تؤدي إلى إنتشار واضح للجريمة والإنحراف وإنحراف الصغار ، وبما أن النمو الجسمي والإجتماعي والمعرفي  والطبيعي  والسليم للطفل يتطلب المرور بعديد من التجارب خلال فترة نموه ، تتم بعض هذه التجارب داخل المسكن وتحت إشراف الوالدين والكبار من أفراد الأسرة ، والأخر يجب أن يمتد خارج حدود المسكن ، في المدرسة المسكن والحديقة  والملعب مع أقرانه وداخل الحي ، فهناك من الأنشطة الخارجية الجماعية التي تتم من خلال مزاولتها تطور العلاقات الإجتماعية التي تتكون بين الأطفال والمعرفة التجريبية لعناصر البيئة الطبيعية والمبنية والمحيطة بهم والمهارات البدنية  التي تتسنى لهم من خلال الإنطلاق الخارجي واللعب الجماعي  ولكن عند إنخفاض مستوى الأمن والسلامة في الحي يضطر الوالدين تحت الإحساس بالخوف من تعرض أبنائهم لمخاطر السيارات المسرعة في الأحياء الضيقة والمنعدمة على أماكن الترفيه أو الوقوع تحت وطأة المنحرفين والشواذ  ومروجي المخدرات ومتعاطيها[7] وهنا يحرم الطفل من والديه من كل أو بعض تلك التجارب خصوصا إذا كانت الوحدة السكنية صغيرة ( مثل الشقق التي لا تتوفر فيها فراغات خارجية) ومن هنا  يجب رسم إستراتيجية إجتماعية لحماية الطفل من الإنحراف  داخل المحيط العمراني ، وهذا الرسم قد يبين إيجابيات تمكين الطفل من التواجد مع زملائه في الحي وخارج جدران الوحدة السكنية .

 

 

 

 

المسجد

تطور

 العلاقات

الإجتماعية

                     المدرسة                                                            المساحات

                                                                                                      الخضراء واللهو                                              

إيجابيات تواجد

الطفل خارج جدران

المسكن

                         إثراء المعرفة                                النشاط

                           التجريبية                             الجسمي والعضلي

السوق                                            الحديقة                                             الملعب

                       شكل  رقم – 01 –  مصدر 1/ علي بن سالم بن عمر – تحسين بيئة الأحياء السكنية لسلامة الأطفال KSU.edw.sa

ومن هذا المنطلق نجد هذا الرسم يوضح مدى العناية بتوفير الأمن والسلامة في الأحياء السكنية المعاصرة لجميع السكان والأطفال بشك خاص  ، فالاستقرار في الحياة العامة والإزدهار الإقتصادي والنمو الإجتماعي مرهون بإحساس المواطن بالأمن والسلامة له ولجميع أفراد أسرته الصغار منتهم والكبار ونجد هذه العناصر متمثلة في الشكل رقم (01) تبين مدى ترابط مؤسسات التنشئة الإجتماعية ( الأسرة ،  المدرسة ، المسجد ، المجتمع ووسائل الترفيه والإعلام والإتصال الحديثة ) كما يتغير الأفراد والأطفال في إطارها من خلال تفاعلهم مع أوضاعهم الإجتماعية  ، فإن مؤسسات التنشئة أيضا وبفعل عملية التغير الإجتماعي لا تشهد ثباتا على حال واحد وتسمح هذه الخاصية بعملية تغيير دائم بأساليب التنشئة في شكلها التعليمي  كما تجعلها عملية مفتوحة وغير منغلقة وهي من خلال تعريفاتها المختلفة عملية يكتسب في إطارها الفرد سجلا رمزيا  يأتي كنتاج للتعاقد والتفاعل بين الفرد والمجتمع ، ولذلك تعتبر التنشئة عبارة عن مسار تفاعلي ومتعدد الإتجاهات تتطلب تبادلا ونقاشا مستمرا داخل مؤسساتها بوصفها عملية غير نهائية وغير تامة .

v 3/ وضع إستراتيجية لحماية الطفل من الأسرة الكحولية :

تعد البيئة الأسرية التي يعيش فيها الطفل من أبرز العوامل المؤثرة في عملية التنشئة الإجتماعية إلى جانب الثقافة المجتمعية وأثر وسائل الإعلام في تمرير القيم والمبادئ وفي توجيه الإتجاهات الإدراكية للفرد  ، فإذا كانت الأسرة بوصفها الوحدة الإجتماعية الأولى من أقوى وأبرز الجماعات المأثرة في سلوك الأفراد من خلال تمريرها للقيم الأخلاقية والثقافية للمعايير والعادات والتقاليد فإن المدرسة والجماعات الصغرى كجماعة الرفاق لا يقلان أهمية عنها ، ففي المدرسة تتسع دائرة الذرة الإجتماعية للطفل وفي إطارها ينسج علاقات ويتعلم مبادئ وقيم ، وبقدر استجابة الطفل لما يقع تمريره له داخل الأسرة بقدر استجابته لمجمل القيم والسلوكيات التي يتعلمها داخل المدرسة في متن تفاعله مع الجماعات التي ينتمي إليها ، من خلال حجم المعلومات التي يستقبلها من وسائل الإتصال الحديثة وعملية التفاعل إلى إعتبار عملية التنشئة  نتيجة مباشرة لنسق من التفاعلات الإجتماعية تبدأ بمرحلة الدخول في علاقات إجتماعية بتعبير العالم  “زيمل ” وتتطور في سياق شبكات العلاقات التي يقيمها الفرد مع محيطه فهي بهذا المعنى مرتبطة وخاضعة لمفهوم القابلية للإجتماع Sociabilité  حسب رأي ألفريد ثوتر وتنبع من ثلاث حاجيات أساسية وهي : حاجة الإنتماء وحاجة المراقبة والحاجة العاطفية ، بهذا تعبر عملية التنشئة الإجتماعية عن تمشي ديناميكي قائم على مبدأ التفاعل وخاضع لحاجيات إجتماعية تخص الوجود الإنساني للفرد في العالم الذي يعيش فيه[8]

كما تعتبر الأسرة من أوى الجماعات المؤثرة في سلوك الطفل ، فهي النواة الأولى للمجتمع وهي الحاضن الأساسي لمجمل القيم والمعايير الإجتماعية ، فمن خلالها يتعلم الفرد المبادئ والقيم الثقافية لمجتمعه بوصفها الوحدة الإجتماعية الأولى  المسئولة عن عملية التنشئة الإجتماعية كما أنها النموذج المثالي للجماعة الأولى  والمرجعية لمجمل  تصرفات وسلوكيات الأفراد ومن هنا تكتسي خاصيتها ونفوذها ، فالطفل يبدأ بنسج أولى علاقاتها فيها ومن خلالها وتؤثر هذه العلاقات سلبا أو إيجابا على مسار الفرد وعلى علاقته بذاته وبالأخر ، فالإتجاهات الو الدية المفعمة بالحب والثقة تعزز ثقة الناشئ بنفسه وعلى العكس من ذلك إذا كانت الأسرة  هي مصدر إلهام شر بالنسبة للطفل خاصة إذا وجدنا أن بيوت بعض الدول العربية تعاني الإدمان الكحولي الذي يعد مرض إجتماعي خطير بأثر بشكل سلبي على نسيج العلاقات الإجتماعية والإنتاجية السائدة في المجتمع ، وأطفال الأسر التي يدمن فيها أحد الوالدين أو كلاهما يكونون عرضة للكثير من المشكلات الصحية والنفسية بصورة أكثر مقارنة بأقرانهم الذين يعيشون في أسر سليمة لا يعاني أفرادها من إدمان المشروبات الكحولية وأظهرت الدراسات المقارنة التي تناولت عينة من الأطفال يدمن أبائهم المشروبات الكحولية بشكل مرضي مع عينة أخرى لا يعاني أفرادها إدمان الكحولية نجد أن محاولات الانتحارية في العينة الأولى أكبر بسبع  مرات مقارنة بالعينة الثانية وأكثر عرضة للأمراض النفسية ، وأكثر بدور الأيتام وأكثر بمرتين احتمالية الزواج المبكر كما تعاني الأسر التي تعيش تحت وطأة الكحولية خللا وظيفيا سببه يعود إلى ضغوط نفسية وأحداث إنعصابية stress  فضلا عن معاناتها الكحولية [9]، وتبقى في ظل هذه المسائل الضحايا هم الأطفال نظرا لهذا الجو المضطرب  المتوتر يصبح التكتم نمطا يميز حياة الأسرة وبالطبع الأطفال هم الضحايا الأكثر تأثرا ، ذلك أن الأبوين الذين ينهل منها الأطفال القيم والمعايير السلوكية يعيشان في عالمهما الخاص … إنهم يخافون التحدث وبصورة علنية عن مشكلاتهم والتصريح عما يعتريهم من مخاوف ، لذا يشبون منغلقين على ذواتهم في الوقت الذي عانون فيه من الأحلام والكوابيس المزعجة والتي تكون بمثابة المتنفس الوحيد عما يعتري عوالمهم الداخلية من ضغوط ومشاكل ، كما يسعى الطفل إلى إخفاء فضائح أسرته وستر عيوبها

ويصبح التكتم والسرية والكذب سمات مألوفة لحياة الأطفال وغالبا ما يظهر الطفل عدم التناسق مما يجري في البيت وما يقال ، لذا يبدأ الأطفال بعدم الثقة بما يرون وما يسمعون .

إن نقص الثقة بالنفس يحدث نتيجة محاولات الطفل الإلتزام بالنظام من أجل أن يشعر أنه إنسان مخلص ، ثم إن رؤية الطفل أبويه وبشكل متواصل وهما يستفز كل منهما الأخر ويتشاجران ويتخاصمان يؤدي به ذلك إلى إتقان أسليب مماثلة في علاقته المتبادلة ومواقفه إتجاه الناس عموما وتصبح العدوانية طبعا ثابت ، لاسيما بالنسبة للطفل الذكر كما يلجأ الطفل إلى التأخر والغياب المتعمد عن البيت بهدف تجنب ما يمكن أن يحدث بهم ، ولهذا فمن نتائج هذه التصرفات المنزلية بمعنى الأسرية تحدث هناك تغيرات سيكولوجية وتنشأ سمات سلبية  على الطفل منها[10]  :

* التشويش وعد دقة الحدود / إن غالبية الأطفال في ظل الأسرة الكحولية لا يعرفون ماهية مشاعرهم السوية في الوقت الذي يمسي فيه التناقض الإنفعالي في حياتهم ambivalence

* النفي والنكران / لاشك أن حياة الأسرة الكحولية قائمة برمتها على دعائم من الكذب والخداع وبالتالي يصبح من الصعوبة بما كان أن يدرك الطفل ويفهم حقيقة ما يدور حوله .

* التقلب / مادامت حاجة الطفل لا تشبع بشكل متواصل فإنه يشعر برغبات عارمة بهدف إسترعاء الإنتباه لذاته بمختلف الوسائل .

* التقدير الذاتي المنخفض / إن الضوابط  التربوية السائدة في مثل هذه الأسر تحير الطفل على أن يقتنع أنه مسؤول بدرجة ما عما يحدث وأنه مصدر الأخطاء والمشكلات وأن تصرفاته كلها خاطئة .

* الطفل المشكل والمتمرد / يستخدم أنماط السلوك السلبية لجذب الاهتمام إليه ، كما يشعر أنه مرفوض من الناحية العاطفية يتورط دائما في مواقف صعبة وينخرط وبمنتهى السهولة بجماعة أقرانه المدمنين على الكحولية .

* الطفل المرتبك والحائر / ينعزل هذا الطفل عن بقية أفراد أسرته ليعيش في عالم من التخيلات يعتبره الأبوان ليس بحاجة إلى الرعاية لأنه هو الذي يعتني بنفسه ، كما تعتبر مشكلاته أقل من مشكلات الآخرين ، إذ يتنازل للآخرين عن كل شيء ويمكن أن يلجأ إلى إدمان المحذرات بدعوى بلوغ النشوة النفسية أو التشرد إلى الشارع .

ومن هذا فيجب وضع أطر علاجية لهذا الطفل

أولا : العلاج البيئي / إن إحداث تعديلات في سلوكيات الآباء أو إتجاهاتهم قد يكون أشد تأثيرا في تغيير سلوك الطفل أ شخصيته وذلك بعلاج وجها لوجه مع متخصص نفسي لمدة ساعات كثيرة ويقر الكثيرين من المعالجين بصعوبة القيام بعلاج الطفل إذا كان يعيش في وسط إجتماعي يسوده العقاب والإدمان ، لذلك وجب تغيير البيئة التي يعيش فيها الطفل المريض .

ثانيا : العلاج البيئي للكبار / يتوجه لهم مع العلم بأن الكبار يقضون معظم أوقاتهم خارج المنزل وفي العمل ، إن موقف العمل غير المشبع لفرد عاجز عن تحمل الإحباطات الصغيرة وفي بعض المواقف وبسبب ضغوط العمل والمسؤوليات يكون من الضروري مساعد ة الفرد في الحصول على عمل أخر كما تتضمنه خطة العلاج ، بحيث نقلل من الضغوط والإحباطات ونزيد من شعور الأب بالتقبل الذاتي وفي خالات أخرى نعمل على تغيير إتجاهات الأفراد المتصلين بالمدمن وهذا يشكل دعما وسند إجتماعيا قويا .

ثالثا : العلاج البيئي للطفل / إن إيداع الطفل في مؤسسات قد يسبب مشكلات كثيرة له ومنها شعوره بأنه منبوذ لذلك تلعب المخيمات والأندية دورا هاما في تعويض النقص الذي يتصف به جو الأسرة غير الصحي ، عن طريق التعليم الإجتماعي الذي يكتسبه الطفل خارج الأسرة وبين أقرانه ، وقد تنكون الأندية والمخيمات ذات فائدة  بحيث تتيح للطفل فرصة التنفس ولوالديه أيضا إذا كان جو المنزل يسوده النبذ والعنف والصراع .

رابعا : المدرسة / يأتي دور المدرسة مكملا لدور الأسرة إذ يكتسب الطفل الكثير من الخصال داخل المدرسة فيجب أن يساعد الجو المدرسي للوصول إلى توافق أفضل فعن طريق الأداء الناجح له وتعزيزه وإبراز مواهبه والاعتراف بها تشبع حاجات الطفل لحب والتقبل والتقدير وتقوم معظم أساليب العلاج النفسي على حل مشكلات الطفل النفسية مثل العزلة والتمركز حول الذات كما أن الطفل في حاجة للنقاش وتداول الأفكار مع من هم أكبر منه سنا ، لأنه بهذا ينمي أسلوب التفكير الحر والثقة فيما يعرضه من أفكار ، فقد أثبتت العديد من الأبحاث أن  الأطفال الذين يتلقون الدعم والتشجيع من أبائهم يكونون أكثر سعادة وأكثر تركيزا أثناء الدراسة  ولم تقتصر تربية الطفل على الأسرة والمؤسسات التعليمية فقط ولكن التكنولوجيا الحديثة وما أنتجته من أجهزة باهرة أصبح نصيبها في تربية الطفل هو النصيب الأوفر[11]  .

4/ إستراتيجية حماية الأم لطفلها  :

تشكل علاقة الأم  بطفلها دعامة أولية وجوهرية لبناء شخصية الإنسان النامي ولإستيتاب صحة الراشد التي تبنى تدريجيا طوال السنين التي يجتازها منذ الولادة وصولا إلى سن الرشد، وهناك حقائق تقال ، نجد الأم عند كل منعطفات الحياة البشرية،وهنا نشدد على أهمية تعرف الأم على ابنها في تعزيز ثقتها بنفسها مما يدفعها لتقديم أفضل ما عندها ، وتعرفها هذا ينطلق أصلا من داخلها أي من إحساسها بأن ما تقوم به ينجم تلقائيا عن داخلها لتتمكن من التفرغ للطفل الذي يكون إرتباطه بأمه خلال  هذه الفترة الأولى من حياته بمنتهى الأهمية ، ومن الضروري ألا تهتم بسواه ، هذا إلى جانب إحساسها بالسعادة والإرتياح لدعم الأب لها فينعكس هذا الشعوران وبشكل مباشر على إرتباطها برضيعها ، لكن تجدر الإشارة إلى أن نمو الرضيع لا يرتبط بها وحدها ، رغم أهمية دورها إلى جانبه بل ينطلق أساسا من طاقته الذاتية أي من ” مبدأ الحيوية والإنفتاح ” المسير لنمو كل طفل المتر سخ في داخله والدافع له للإنفتاح على الحياة وعلى العالم الخارجي وقد سمي هذا المبدأ ” الإنطلاق الفطري نحو الحياة ” وهي  طاقة كامنة يولد الكائن البشري مزود بها ، لاتخلقها الأم أو الوسط بل تقدم الأم المناخ الملائم لبلورتها[12].

أما أحد مقومات دور الأم إلى جانب الطفل فيكمن في الحب وهو أحد ركائز الطمأنينة الثلاث ، الحب والثبات والتقبل الضرورية لنمو الطفل العاطفي النفسي خاصة وأن كل علاقات هذا الطفل تتمحور حوله علاقته بالأم بادئا ذي بدئ وعلاقته بالأب ثم باقي أفراد الأسرة ومن ثم علاقته بالمجتمع الأكبر ، لكن يكون هذا الحب مطعم بالسلطة وحب الأم يعني العطف والحنان والتفهم “الحدسي ” الذي يشعر الطفل بأنه مقبول لذاته لا كما يشاءون الآخرون وهذا الحب ليس غاية في حد ذاته بل وسيلة تحدد من خلالها حياة الطفل الإنفعالية المستقبلية ، إذ يدوم إلى ما لانهاية في نفسانية الراشد ، وخلاصة القول تكمن في التأكيد على دور الأم الحاسم في تربية الأولاد وإعدادهم ودور الأب لأن الأسرة المكونة أصلا بفضل تعاضد الأب والأم للقيام بأدوارهما ووظائفهما المتنوعة والمتكاملة هي المرجع الأساسي والنفسي والعاطفي والإجتماعي والعقلي والخلقي والتكويني والمادي الذي تتبلور شخصية الإنسان النامي ضمن إطاره وذلك بفضل التبادلات العلائقية متنوعة الأطر و القائمة بينهما ” بين الطفل وأسرته ” فهي المنظمة والمحددة لمجموع تصرفاته وإدراكاته وقدراته بحيث تستثير الإمكانات والطاقات التي يولد مزود بها فتدفعها في طريق التطور السليم ولحماية الطفل والطفولة .

5/ إستراتيجيات كفيلة بتقليص معاناة الأطفال :

إن وضع الإستراتيجيات الكفيلة لتقليص معاناة الأطفال يجب التصدي لأسباب ضياع حقوق الطفل إن أردنا فعلا إيجاد حلول كفيلة جذرية ، لكن التركيز على معالجة الأسباب لا يعني إهمال العدد الهائل من الأطفال حاليا ، وإرجاء النظر في قضاياهم إلى حين اجتثاث الأسباب ، بل يلزم تبني إستراتيجيات آنية ومستعجلة تواجه الظاهرة كالتالي : 

01/ رفع الميزانية المخصصة للطفولة والأسر الفقيرة ورفع الإنفاق على الطفولة المحرومة ، لتكييف الأطفال مع حياة أفضل ووضع برنامج مسطر للقضاء على الأمية وفتح فرص التعليم التحضيري  لكل طفل وضمان  المجال الصحي ومن هنا فقد تقل الأمية وعدد الفقراء المحتاجين والقضاء على ظاهرة تسول الأطفال ذات الأسر المعوزة .

02/ التكفل المستعجل بالأطفال المحرومين ويمكن إستثمار أكثر من وسيلة ، كإيجاد إدارات وجمعيات خيرية للوساطة بين الأطفال المتخلي عنهم والأسر غير المنجبة  الراغبة في التكفل  أما  الأطفال الذين لاحظ لهم في أسر بديلة فيعتبرهم أبناء الدولة ، حيث تلتزم بالتكفل بهم وبضمان كافة حقوقهم المادية والمعنوية والتربوية كما أن تشجيع العمل الخيري الجمعوي هو أحد الإستراتيجيات الهادفة والمستعجلة التي تمد بحلول كفيلة لوضع بعض الوضعيات التي تعاني منها الطفولة في العالم العربي والإسلامي  إنطلاقا من مبدأ التكافل الإجتماعي وهذا هو الإطار الصحيح الإجتماعي الذي يساعد على ترابط أواصل الأسر وحماية الطفولة من الضياع وتوجيه أعمال الإحسان إلى المجال الإجتماعي ومجال الطفولة بالذات وهي مطالبة أيضا بإرساء دعائم الثقة المتبادلة بين مختلف القطاعات المعنية من جهة وبينها وبين المواطنين من جهة أخرى [13] .

03/ حماية الأطفال من النزاعات الطائفية والحروب والإرهاب : إن التهميش والتشرد تزيد وتيرتهما في ظروف الحرب بسبب تعطل الدراسة وتعطل المؤسسات الإجتماعية التي تحتضن عادة الأطفال ويسبب إفتراق الأطفال عن أوليائهم هكذا فجأة يجد الآلاف  منهم بما فيهم المتمدرسون أنفسهم في الشوارع يواجهون فيها بمفردهم كل أصناف التهميش والتطرف والإنحراف والتمرد فهنا يجب إبعاد الأطفال وبشتى الوسائل عن ظاهرة التطرف والإرهاب والنزاعات الطائفية في كل بلد مثل وضع برنامج إجتماعي لعدم تجنيد الأطفال في الحروب وإقامة مخيمات ومدارس في المناطق  الآمنة .

04/ مساهمة المؤسسات غير  الحكومية لرفع الغبن عن الكثير من المحرومين من الأطفال مثل منظمة حقوق الإنسان والطفل هذه المنظمات التي يجب أن تعمل جاهدة من أجل حياة أفضل للأطفال ويجب أن تستمد ثقتها بأعمال الخير والإحسان في شتى الظروف في السلم وفي الحروب والنزاعات ، فأعمال  الإحسان هنا بالذات تستطيع أن تشارك بفعالية إلى جانب جهود

الدولة والمجتمع المدني لتسهيل مهمة التكفل بالأطفال وتربيتهم وتعليمهم وحمايتهم من الشارع بكل ما يحمله من مخاطر .

05/ إجبارية التعليم للجنسين : إن الجهل والأمية من أخطر الأمراض التي تهاجم الأطفال بل أسوئها على الإطلاق و بها ترتبط كافة الظواهر الأخرى فالوضع في الدول العربية يوحي بالإنذار لإنتشار ظاهرة الهروب من المدرسة والأقسام  وظاهرة عدم التمدرس للفتيات في بعض أرياف المدن ، هذا الأمر قد يؤدي إلى حرمان الطفل من حق التعليم والتعلم ولهذا يجب على الدول العربية تسطير برنامج وإتباع سياسات قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى للقضاء على الجهل في المدن والأرياف وما يقال عن التعليم يصدق على الأنشطة الموازية والتثقيفية والتكوين المهني والصحة والتكفل بالمعاقين لمساعدة كل فئات الأطفال المحرومين على تخطي أسباب الحرمان والإعاقة .

06/ التصدي للمخاطر التي تهدد الطفل ولذلك بتفعيل الآلة القانونية نظرا  لما تعانيه الطفولة في العالم من مظاهر التهميش وظهور الإسترقاق في العالم بأسره والذي ظهر بأشكال متعددة وأخذ أبعاد خطيرة يصعب حصرها والتصدي لها ، ويرجع في ذلك أنه يمارس في الخفاء وغير معلن عنه ويمارس تحت العديد من الأسماء والألوان الشيء الذي يحول دون إعطاء أية أرقام عن إسترقاق الأطفال في العالم ، وإن كانت العديد من المؤشرات وبعض الأرقام تفصح عن الوجود الفعلي لواقع مرير يعيشه الأطفال البؤساء ليس في العالم الثالث فحسب بل وإنما في العديد من الدول المتقدمة وقد بينت بعض الأبحاث لصور فضيعة لعمالة الأطفال الصغار وبيعهم واستغلالهم للبغاء والزنا والصور الخليعة واستعمالهم في النزاعات المسلحة وأسرهم لاستيفاء ديونهم                         وتهريب الأطفال والمتاجرة بالأعضاء وإخضاعهم لنظم الميز العنصري[14].

وهنا يجب وضع حد لهذه الظواهر التي لازالت تلوح ملامحها في الأفق من خلال وضع الطفل وتهريبه والمتاجرة بأعضائه وذلك بتفعيل الرقابة على الأسر الكافلة للطفل والآوية للطفل وتقييد كذلك ممارسة الطلاق وتعدد الزوجات وإرفاق النفقة بالإستعجال والزجر بالنسبة للأسر المطلقة التي أهملت أبنائها والتعامل بحكمة مع وضعية الأحداث الجانحين ووضع صرامة إضافية لزجر الجرائم التي تمس الأطفال والتصدي بحزم لظاهرة إنتشار المحذرات عند الأطفال وإدماجهم إجتماعيا والقيام ببرامج توعية كأيسر سبيل للتقدم بحقوق الطفل ومنها توعية صحية بهدف الوقاية من الأمراض والحوادث التي تؤدي غالبا إلى الإعاقة أو ولادة أطفال مشوهين ، كذلك يجب نشر التربية الصحية لحماية الطفل من الرذيلة وعواقبها وحماية الفتيات من الحمل الغير السليم ، كما يجب تعديل برامج تنظيم الأسرة بإشراك الزوجين معا وتحميلهما مسؤولية تنظيم الأسرة على أساس المبدأ الإسلامي . 

الخاتمــــــــــة

يساورنا دوما الكثير من القلق حول مستقبل الطفل العربي ، إذ وجدنا أنفسنا نحدق في هواية سحيقة تفصلنا عن الطموح الذي ننشد ، في الوقت الذي يخضع الإدراك والتعامل مع هذه القضية لتجاذبات عديدة على اختلاف منابعها واجتهاداتها إلا أن تلتقي على تهجين النماذج بين الأصالة والجوهر أو بين الواقع والطموح ، فالقضية تعرض أمامنا تحديا دائم الحضور ، علينا أن نعي جيدا أن الطفل العربي هو ثروتنا وإذا لم ندرك أهميتها فإن أعدائنا يدركون ذلك جيدا ولأنهم يعون قيمة ( الطفل سند اليوم وأمل وعماد المستقبل وليس لنا أن ندير رؤوسنا نحو الإتجاه الأخر ) .

إنها وبكلمات قليلة تعني تحديد خياراتنا التي نهدف إليها ومستقبلنا الذي ننشده لأطفالنا ولأسرتنا العربية . 

قائمة المراجع

01/ د- باسم علي خريسان : العولمة والتحدي الثقافي – دار الفكر العربي بيروت الطبعة 1 سنة 2001 – .

02/ بوزيان راضية : أطفال الشوارع في الجزائر دراسة سوسيولوجية لظاهرة أطفال الشوارع وسبل مواجتها – المركز الجامعي / الطارف – الجزائر .

3/ د- سليمان إبراهيم العسكري – الطفل العربي ومأزق المستقبل – مجلة العربي العدد 521 – أفريل 2002 .

04/ د- رجاء ناجي – مصدر الكتاب : الإيسيسكو – المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم .

05/ علي بن سالم بن عمر – تحسين بيئة الأحياء السكنية لسلامة الأطفال Ba hammam@ KSU.edw.sa

06/ فضيلة دريد – النمو الديمغرافي وأثره في التنمية الإقتصادية والإجتماعية – أطروحة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه دولة في علم الإجتماع قسم علم الإجتماع – جامعة منتوري –    قسنطينة- سنة 2006 /2007 .

07/ د- فتيحة السعدي : التنشئة الإجتماعية – المفهوم والمقاربات النظرية . الموسوعة العربية للمعرفة – مجلد الثالث – دار العربية للعلوم  .

08/ أ. قشي صيفي : تحليلات سوسيولوجية حول التغير والتحول الأسري- مجلة التواصل للعلوم الإجتماعية والإنسانية – معهد علم الإجتماع – جامعة باجي مختار – عنابة عدد 06 جوان 2000 .

09/ د- كريستين نصار : حتى لا تتشوه الأمومة – الأم والطفل – مسيرة حياة مجلة العربي العدد 520 مارس 2002 .

10/ د- وليد أحمد المصري : سيكلوجية الطفل الكحولي – مجلة العربي العدد 511 سنة 2001 .

[1] د- سليمان إبراهيم العسكري – الطفل العربي ومأزق المستقبل – مجلة العربي العدد 521 – أفريل 2002 ص 10

[2] فضيلة دريد – النمو الديمغرافي وأثره في التنمية الإقتصادية والإجتماعية – أطروحة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه دولة في علم الإجتماع قسم علم الإجتماع – جامعة منتوري –    قسنطينة- سنة 2006 /2007 ص 192.

[3] فضيلة دريد – مرجع   سبق ذكره – ص 192 .

[4] د- باسم علي خريسان : العولمة والتحدي الثقافي – دار الفكر العربي بيروت الطبعة 1 سنة 2001 – ص 09.

[5] بوزيان راضية : أطفال الشوارع في الجزائر دراسة سوسيولوجية لظاهرة أطفال الشوارع وسبل مواجتها – المركز الجامعي / الطارف – الجزائر ص 02 .

[6] أ. قشي صيفي : تحليلات سوسيولوجية حول التغير والتحول الأسري- مجلة التواصل للعلوم الإجتماعية والإنسانية – معهد علم الإجتماع – جامعة باجي مختار – عنابة عدد 06 جوان 2000 ص 258.

 

[7] علي بن سالم بن عمر – تحسين بيئة الأحياء السكنية لسلامة الأطفال KSU.edw.sa

[8] د- فتيحة السعدي : التنشئة الإجتماعية – المفهوم والمقاربات النظرية . الموسوعة العربية للمعرفة – مجلد الثالث – دار العربية للعلوم  ص 190.

[9] د- وليد أحمد المصري : سيكلوجية الطفل الكحولي – مجلة العربي العدد 511 سنة 2001 ص 176.

[10] د- وليد أحمد المصري : مرجع سبق ذكره ص 177.

[11] د- سليمان إبراهيم العسكري – مرجع سبق ذكره– ص 10 .

[12] د- كريستين نصار : حتى لا تتشوه الأمومة – الأم والطفل – مسيرة حياة مجلة العربي العدد 520 مارس 2002 ص 184 .

[13] د- رجاء ناجي – مصدر الكتاب : الإيسيسكو – المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم .

[14] د- رجاء ناجي – مرجع سبق ذكر

 

You May Have Missed

آخر الأخبار